أحبتنا في الله
صبحكم الله بالخيرات
ورزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا
اليوم موعدنا مع حفظ سورة نون القلم
يعني لازم نتفكر بالسورة كويس ونفهم المعاني الجميلة التي تحتويها
وخلينا نمشي سوا على درب القرآن الكريم وكلام رب العالمين، ونلزم أنفسنا بالبرنامج الموضوع لهذه الغاية
ولكم منا كل حب وتبجيل واحترام
إدارة المجموعة
6/1/2008
مع التفسير
سورة القلم سورة مكية وقد نزلت على النبي محمد صلى الله عليه وسلم كثاني سورة تنزل بعد سورة العلق في بداية بعثته والكل حوله ما بين تصديق وتكذيب وإنكار واتهام له بالجنون (تنزه عن ذلك) ساعتها كان الملأ من قريش قد أقاموا الدنيا وأقعدوها وهاجوا وماجوا لما رأوا أن واحدا منهم من فقراء الجماعة بدأ يسفه دينهم ودين آبائهم ويحقر من شأن معبوداتهم ويغض الناس عنهم وعن مكانتهم في مجتمع التجارة التي كانت تمثله قريش في مكة ، أو هكذا خيل لهم ، ووصل بهم الأمر إلى إنكار ما أتى به من وحي وكتاب ، بل واتهموه بكل ما يمكن أن يتهم به أحدفي مثل ذلك الموقف ن ومن تلك الاتهامات أنهم ادعوا عليه الجنون ، هذا وإلى جواره القلة من المصدقين الذين وجدوا في شخصه وفي دينه الأمل في التحرر من قيود العبودية والسمو إلى مستوى الإنسانية وهو نفسه صلى الله عليه وسلم من كان بينهم الصادق الأمين العاقل الحكيم والذي ائتمنوه على ودائعهم وعلى أسرارهم . وليس أدل على ذلك من إثبات حينما تجلت حكمته لما احتكموا إليه في فض النزاع حول وضع الحجر الأسود في مكانه داخل الكعبة بعد تجديدها وتنازعوا فيما بينهم ، أيهم يحظى بشرف إعادة الحجر إلى مكانه ، فما كان من المصطفى إلا أن فرش رداءه الشريف ووضع الحجر عليه وحمل كل منهم طرف الرداء إلى أن وضعوه في مكانه .
نقول : أناس على مثل هذا التناقض في تركيب الشخصية يرون فيه حكمة وصدقا تارة ، وتارة أخرى وحينما نزلت الرسالة عليه لم يمهروها إلا تكذيبا ، واتهامات لذات الشخص الموثوق به والمشهود له قبلا بالجنون والسسفه ؛ فنحن هنا أمام مجتمع منفصم الشخصية محدود الأفق قليل الحكمة ضحل الفكر أو يكاد .
وتلك التجربة التي يعيشها رسول هذه الأمة في مقتبل الدعوة لهي عينها المحك الأساسي في تحديد وإظهار شخصية الرسول الحقيقية ومدى صلابتها في الحق ، حين أعلن لعمه أبي طالب ردًا على إغراء القرشيين له مقابل أن يتنازل عن الدعوة بأن قال : والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه .
في مثل هذه التربة وهذا المناخ نزلت جميع الرسالات السماوية وهذا دليل آخر على ضرورة وحتمية نزول الدعوة الخاتم على مجتمع قريش دون غيره ، وهذا الإقرار الممتلىء إصرار على استئناف الدعوة حتى نهايتها أمام عمه شيء ، أما الإقرار والإصرار الحقيقيان واللذان يتحققان لنا في شخصية الرسول محمد الحقيقية فيتجلى في دعائه لله عز وجل في الطائف وقد أوذي أذى قد يحمل بشرا آخر على التخلي عن الدعوة ، بقوله : يا رب إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ولكن عافيتك ورحمتك أوسع لي . فاستحق بهذا الدعاء :
أولا : أن ينزل عليه جبريل في اللحظة ويعرض عليه أن يطبق عليهم الأخشبين (الجبلين) ، فيأبى ويقول : يا أخي يا جبريل ، عسى الله أن يخرج من أصلابهم من يشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله .
وثانيا : أن يكافأ على ذلك في ذات الليلة بأن تحتفي به السماء في مشهد رباني منقطع النظير في ليلة الإسراء والمعراج .
في مثل هذا المناخ تتنزل سورة القلم .
وفي أسباب النزول : أخرج المنذر عن ابن جريح قال : كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم إنه مجنون ثم شيطان فنزلت (مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ {2}) . (تفسير الجلالين . في أسباب النزول للسيوطي) .
نص الآيات :
(بسم الله الرحمن الرحيم . ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ {1} مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ {2} وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ {3} وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ {4} فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ {5} بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ {6} إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ {7}) .
وقبل أن نستعرض فكرتنا نعرض أولا لبعض التفاسير الشائعة : ففي تفسير "الجلالين" يقول : إن (ن) حرف من حروف الهجاء ويفسر القلم : الذي كتبت به الكائنات في اللوح المحفوظ ، ويفسر (وما يسطرون) أي الملائكة ، ثم في الآية رقم 5 (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ {5} بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ {6}) أي بك أم بهم .
أما ابن كثير فيقول : وقيل المراد بقوله (ن) حوت عظيم وقيل المراد بقوله (ن) لوح من نور ، وقيل المراد بقوله (ن) الدواة (والقلم) القلم ، روي عن الحسن وقتادة في قوله (ن) قالا : هي الدواة ، وقوله تعالى : (والقلم) الظاهر أنه جنسس القلم الذي يكتب به كقوله تعالى : (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ {4} عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ {5}) فهو قسم منه تعالى ، وتنبيه لخلقه على ما أنعم به عليهم من تعليم الكتابة التي بها تنال العلوم ، ولهذا قال : (وما يسطرون) أي وما يعملون . وقال السدي (وما يسطرون) يعني الملائكة وما تطتب من أعمال العباد ، وقال آخرون :بل المراد هنا بالقلم الذي أجراه الله بالقدر ، حين كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرضين بخمسين ألف عام .
منهج البحث : بعد أن استعرضنا الاتجاهات المختلفة في تفسير مطلع السورة نجد أنفسنا أمام سؤال محير : ألا وهو : على من يعود ضمير الفاعلين في كل من (وما يسطرون) وفي (وتبصرون) ؟ ومن هم الأطراف المخاطبة في (بأيكم المفتون) ؟ ومن الواضح من النص أنه لا توجد إمكانية لان يكون الفاعل هنا والفاعل هناك مختلفين ، بل إن الواضح والجلي أن يكون هو نفس الفاعل ؛ فالمخاطب الأول هو الرسول صلوات الله عليه كما يتضح من نص الآيات ( مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ {2}) بل ويتضح تماما من الآية (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ {4}) .
أما المخاطب الثاني فيتضح من الآيتين (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ {5} بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ {6}) ، ولفظة (بأيكم) تعطينا خيطا رفيعا يحدد ماهيتهم وهويتهم . أما الآية (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ {7}) . ففيها فصل الخطاب . فمن هذه الآية نجد أنفسنا أمام الفريقين : فريق الضالين عن سبيل الله المكذبين المتهمين النبي بالجنون ، وفريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتباعه الذين اهتدوا بهديه .
والواضح أن ضمير الفاعلين الغائب - واو الجماعة - في (وما يسطرون) و (يبصرون) يعود ذلك على الفريق المكذب .
فإذا أخذنا بالتفاسير التقليدية التي تقول إن الطرف المخاطب في (وما يسطرون) هم الملائكة وكتبة اللوح المحفوظ ، نكون قد وقعنا في شرك تفسير لمعنى الآيات ، لأن الله - على حسب كلامهم - يقسم بهم أولا ، ثم يتحداهم في (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ {5} بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ {6}) فلا يعقل أن يتحدى الله الملائكة وكتبة اللوح المحفوظ ، وهم المكلفون المسيرون الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون .
ومن هنا كان لزاما علينا أن نعمل العقل والمنطق ثم العلم كي نجد الحل الصحيح لتلك الإشكالية .
فالأصح أن نحاول الآن أن نجد تفسيرا للآيات لا يكون الملائكة أوكتبة اللوح المحفوظ طرفا فيه ، وإلا وقعنا في نفس المأزق ، وواضح أيضا أن سبب حصول هذا الفساد في التفسير يرجع إلى اعتبار آية (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ {1}) أسلوب قسم وهذا مترتب على اعتبار (ن) حرفًا .
وحيث أننا قد عرضنا في الفصل الأول فكرة أن هذه الكلمات ليست حروفا هجائية ، بل كلمات من لغات مقدسة أخرى غير العربية ، فتكون (ن) بدورها ليست حرفا هجائيا بل إنها كلمة مكونة من ثلاثة حروف هي : النون والواو والنون ، ولا بد أن يكون لها معنى .
ولنحاول الآن أن نجد لها التفسير المناسب حسب منهجنا الذي توصلنا إليه .
فكلمة (ن) في اللغة المصرية القديمة تكتب هكذا :
وتعني : هبطوا وانحطوا وغفلوا وتبلدوا .
بل وما تزال نفس الكلمة في اللغة القبطية التي هي الامتداد للغة المصرية القديمة وتكتب هكذا بحروف يونانية وتعني بالإنجليزية "ABYSS" وبالعربية : جهل ، انحط ، فسد .
وتذكرنا هذه المعاني وبالذات معنى "الجهالة" بما ورد في أسباب النزول للآية رقم 17 من نفس السورة :
(إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ {17}) : أخرج ابن أبي حاتم عن ابن جريح : أن أبا جهل قال يوم بدر : خذوهم فاربطوهم في الحبال ولا تقتلوا منهم أحدا فنزلت (إنا بلوناهم . . . . . .) يقول في قدرتهم عليهم كما اقتدر أصحاب الجنة على الجنة (وربما متعلقة بتسميته بأبي جهل) .
وبناء على هذا التحليل اللغوي في المصرية القديمة وأيضا القبطية ، نجد تطابقا في المعنى للفظ (ن) في كل منهما .
ولنحاول الآن أن نفسر السورة في ضوء هذا القبس :
فالمعنى إذن للآيات الأولى لسورة القلم كالآتي :
تبًّا لهم وتبًّا للقلم الذي يسطرون به ، واللسان الذي يتلفظون به ، وتبًّا وسحقًا لما يسطرون وما يكتبون من جهالة ، وما يتقول عليك به الكفار والمكذبون ، وما يتهمونك به من الجنون ، فقد أنعم الله عليك بالنبوة ، وإنه لمجزيك عليه جزيل الأجر ، وإنك لعلى خلق عظيم ، خلق القرآن الكريم ، وسنرى من منكم المفتون : أهم بجهاتهم وانحطاطهم ، أم أنت يا محمد بخلقك وسمو أخلاقك ، ويكفيك أن الله أعلم من منكم الذي ضل عن السبيل ومن منكم المهتدي .
والآية رقم 51 من نفس السسورة تؤكد ما ذهبنا إليه في تفسير الآيات السابقة والرمز ، إذ تقول الآية (وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ {51}) . وأيضا الآية رقم 47 (أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ {47}) تدل دلالة واضحة على أنهم كانوا يستطيعون الكتابة أيضا يتضح من قبل في الجاهلية عندما كانوا يدونون أشعارهم ويعلقونها مكتوبة على جدران الكعبة الشريفة .
والآيات التي كانت كالبلسم يشفي من الداء ومن تلك المعاناة التي عاناها الرسسول الكريم بسبب تكذيبهم وإهانتهم له واتهاماتهم له بالجنون وما كان ليشفي منها لولاها هي : (فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ {44} وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ {45} أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ {46} أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ {47} فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ {48}) .
وعلى هذا يستقيم التفسير . فهم جهلوا وفسدت عقولهم وكلماتهم واتهاماتهم للنبي بالجنون وهو الإنسان الكامل الأخلاق ومن تخلق بغير هذه الخلق فعقابه على الله كما ورد في الآيات .
ولا نستطيع بناء على ذلك اعتبار بداية السورة قسمًا ، لأن الله (إذا أقسم) لا يقسم بشيء باطل وبجهالة يسطرونها أو باتهامات لنبيه بالجنون .
والآية رقم 50 تفيد في إيضاح معنى الرمز وهي نهاية السورة لتكون مع البداية - الرمز - وحدة السورة وبنيانها الأدبي الرفيع .
المصدر : كتاب الهيروغليفية تفسر القرآن الكريم ، لمؤلفه : سعد عبد المطلب العدل ، والناشر : مكتبة مدبولي